السرطان والقلب

هل يصاب القلب بمرض السرطان؟ وهل يعاني ما يعانيه باقي أجهزة الجسم من دمار جزيئي بطيء؟ حسبما وصل إليه العلم فإن القلب قد يصاب بالسرطان لكن هذه الحالة نادرة جداً، فما هي الأفضلية التي يتمتع بها هذا العضو ليكون محمياً منه بالرغم من أن السرطان عُرف بانتشاره في كافة أجهزة الجسم؟! قبل أن نخوض في تلك التفاصيل، سنشير إلى أن الأوساط الطبية قد عرفت أنواعاً من السرطان انتشرت في: الدماغ، الدم، العقد اللمفية، الرئتين، العظام، الجلد، وكل جزء وعضو أو جهاز يمكن أن تتخيله في جسمك، فهل اكتسب القلب مناعة ضد هذا المرض اللعين دون غيره من أجزاء الجسم؟ ولماذا؟ قال أحد الاطباء أن ""هناك أورام تظهر في القلب، لكنها ليست شائعة لذلك لا نسمع بها"". أورام القلب الخبيثة التي تعرف باسم Rhabdomyosarcomas نادرة جداً، و حسب دراسة مبنية على 12000 حالة تشريحية، تم فيها تشخيص سبع حالات فقط وجد فيهم نوع من أنواع الأورام القلبية الأولية (يقصد بها الأورام التي توجد في القلب دون أن تنتشر إليه من أي مكان آخر من الجسم). وهذا يعني أن أغلب السرطانات التي توجد في القلب تنتشر إليه من أنسجة أخرى، أي أنها أورام ثانوية، ولفهم ذلك يجب علينا العودة إلى الوراء في مفاهيم السرطان الرئيسية. يبدأ السرطان كما نعلم عندما تنمو الخلايا بشكل غير مُتحكم به، أو غير مُسيطر عليه، وهذا بسبب تضرر الـ DNA، وفي الحالة الطبيعية تقوم الخلية بإصلاح أي ضرر يحدث في الـ DNA، أو تموت دون أن تنقسم. لكن الخلايا السرطانية لا تقوم بإصلاح الخلل في الـ DNA، كما لا تموت، بل تتابع الانقسام مشكّلة المزيد من الخلايا ذات الـDNA المشوّه، وبهذه الانقسامات تستطيع أن ""تغزو"" الأنسجة الأخرى، بينما لا يمكن للخلايا الطبيعية أن تقوم بذلك، وعندما ذكر الأطباء أن السرطان يأتي من قسم آخر من الجسم، كان هذا ما قصدوه. وذكر الأطباء أن معظم الأورام الثانوية التي تغزو القلب تأتيه من الرئتين، المريء، الكبد، المعدة، وحتى الأعشاش الخلوية لسرطان الدم تشكل السرطان في القلب، وأغلب هذه الأنواع من السرطانات تنتشر باتجاه القسم الأيمن من القلب، أي في المكان الذي يدخل فيه الدم. لكن لماذا لا تكون هذه الأورام متشكلة في القلب دون أن تنتقل إليه من مكان آخر؟ يتمكن الأطباء من خلال الفحص المجهري أن يتعرفوا إلى أصل الخلايا السرطانية في كل نسيج تغزوه، فمثلاً إذا انتقلت الخلايا السرطانية من البنكرياس إلى الدماغ وشكلت ورماً، يُمكّن الفحص المجهري من تحديد مصدرها، فيظهر أن هذا الورم لا يشبه الأورام السرطانية التي تحدث في الدماغ، عوضاً عن ذلك ستبدو الخلايا مطابقة لخلايا الأورام البنكرياسية، وتلعب الجينات الدور الأساسي في كون الورم أولياً أو ثانوياً. وهناك أنواع من الخلايا الأخرى التي تملك مناعة ضد هذه المواد السامة المسرطنة عن طريق أنزيمات تزيلها، كما أنها مزودة بعوامل دقيقة تفعّل الجينات التي تبطل تكون الأورام، في حين لا تملك الخلايا الشحمية كل هذه الآليات ""التعقيمية"" مما يجعلها سبباً رئيسياً في تعديل بنية الـDNA وانتشار الأورام السرطانية بشكل خاص في النسج الشحمية، وهذا ما يجعل القلب متميزاً. القلب لا يحوي نسيجاً شحمياً، كما أنه مغلف بغشاء يدعى التامور، وهو قد يصاب بورم سرطاني لكنه يحافظ على وظيفته في حماية القلب، وبشكل آخر يمكن القول أن خلايا القلب لا تنشطر مثل خلايا الأجزاء الأخرى أي أنه في حال وُجدت خلايا سرطانية فيه فإنها لن تتضاعف، وهذا السبب الأكبر الذي يجعل سرطان القلب أمراً نادر الحدوث!