مرض الكرسي

مرض الكرسي CHAIROPHILIA : مرضٌ معروفٌ يصيب الإنسان؛ يجعل منه عبدًا للمنصب الذي هو فيه، يطمع من خلاله للمزيد؛ وذلك كلّما ترفّع وعلا شأنه، يتركز تفكيره في الاحتفاظ بمنصبه بكل الطّرق مهما كانت التنازلات التي يقدمها. هناك ارتباط وثيق بين الاستبداد وانتشار مرض الكرسي، أثبتت الدراسات أنّ المريض به يتمتع غالبًا بالذكاء ومستوىً جيدٍ من التعليم يجعل من حقه فعلًا أن يتبوأ منصبًا رفيعًا في الدولة، لكنه يعلم يقينًا أنّ التّرقي في ظل الاستبداد لا علاقة له بالكفاءة وإنما بالولاء، وأنّه مهما بدت عليه ملامح الداهية والذكاء الدبلوماسيّ لن يصعد سياسيًا بتاتًا إن لم يتم أخذ صكّ الرضا من مديره أو أن يثبت حقًا ولاءه المطلق له. شُخِّصَت حالات المرض إلى شاخصتين :الأولى تصيبه قبل تولّيه المنصب أمّا الثانية تصيبه بعد توليه المنصب. وأنّ من يصاب بالأولى لا بدّ أن يصاب بالثانية، كمن يعيش بشكل اعتيادي وبلا أيّ مناصب، سَبَق وإن كنتَ قد تعاملتَ معه في إحدى مشاريع العمل كزملاء ذات المهنة، وما إن تولّى منصبًا ظهرت عليه أعراض المرض وتحوّل إلى آلةٍ صُنعت فقط من أجل أن يبرّرَ ما يفعل أو ما يقول أو حتى ما يفكر فيه المدير. تتدهور حالة المريض في آخر مراحل إصابته، ليتحول من النفاق والتهليل والتزمير لكل قرارات المدير إلى تبرير الجرائم اللتي يرتكبها بحق شعبه، حتى أنه لن يترك فرصة تتسنى له فيها ارتكاب الجرائم بحق نفسه وبحق المجتمع الذي يعيش فيه؛ ليغطي بها على جرائم قام بها أفظعَ وأشنع. لا علاج ولا برأ من هذا المرض فهو مرض أزليّ أبديّ، لا شفاء لمن أصابه، قالت دراسات بأنّ هناك حالات قليلة نجت منه وذلك بطريقة (إحداث الصدمة)، أي يتلقى المريض صفعةً تحدث له الصدمة؛ كي يستعيد بعدها نفسه الضّالة، ويحدث هذا بسقوط جميع الأقنعة التي كانت تحيط به وتحطيم النفاق الذي يعد أحد عوامل تنامي المرض، ومواجهته بكل ما اقترفه من تجبّر وتسلّط على أناسٍ كان يومًا ما يوازيهم في الدرجة، ثم بتذكيره بالتاريخ المشرّف له وبالمبادئ الذي تربّى عليها أفادت بعلاج القليل من الحالات كما ذكرت سابقًا؛ ولكن وفي كثير من الأحوال يستنكر صاحب الكرسي المريض هذه الصدمة ويقع ضحية في شباك نكرانه للواقع الرّاهن، ومن ثم يقوم من جديد للدفاع عن مبادئه بطريقة همجية متناقضة ليثبت للجميع مدى إخلاصه لها. لايزال هذا المرض يوسوس لنا فردًا تلو الآخر وينخر في بنيان مجتمعاتنا، في ظلّ تغيّب مفاهيم العدل والإحساس بالمساواة، في الوقت الذي يتبجّح فيه الظلم واليأس من تحقيق الإنصاف وطغيان الواسطة والمحسوبية على ذلك كله.