الشروذ الذهني

وبين حين وحين؛ أنظارنا وعقولنا وجميع حواسنا قد تفقد انتباهها معلنة حالة من الصمت وتركيز النظر في مكانٍ ما، ربّما صورة أو حائط وربّما في الفراغ. يستوقفنا موقف أو حتّى مشهد تلفزيونيّ، ولا سيما بعض الأمور البسيطة التي لا تُذكر، ولكنّها تخلق حالة من الصمت دون سابق إنذار. فما السبب الكامن وراء هذا الشيء؟ لماذا اعتادت هذه الظاهرة علينا وأصبحت جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا اليومية؟ لماذا يتناقص تركيزنا في شتات الأمور يومًا بعد يوم؟ ألتلك الظاهره علاقة بالتركيز أم أن ضغوطات الحياة هي وراء هذه المشكلة؟ من أهم الظواهر التي تستوقف حياتنا ولها تأثير كبير جدًا في تفاصيل اليوم: الشرود الذهني أو ما يسميه العلماء بنقص الانتباه الذي أصبح ذو انتشار واسع جدًا لا يشمل فئات كبار السن فقط إنّما تعدٌى ذلك ليشمل فئات صغار السن أيضًا. وتكاد هذه الظاهرة لا تخلو من سلبيات تعود على المجتمع بالركود والتراجع في شتّى نواحي الحياة؛ كالتعليم والصحة والاقتصاد وغيرها الكثير، ومن أهم هذه السلبيات التعليم، والتي أصبحت تمثل عائقًا عند المدرسين وربّما أصبحت ذات تأثير كبير ليس على صعيد المرحلة الدراسية فقط، ولكن لأنه قد يلازم جوانب حياة الطالب جميعها كالجانب الأجتماعي والثقافي والسلوكي لديه. وهذه المخاوف تتجلّى في عدم القدرة على استغلال جميع القدرات العقليّة، وعدم القدرة على إحضار الذهن للتركيز في شرح المعلّم والمشاركة في الأنشطة المدرسية، أو حتى أثناء الدراسة وحل الواجبات والتحضير واستغراق ساعات طويلة جدًا في الخيال والأحلام والسرحان عوضًا عن ذلك. وهذا الشيء يقودنا إلى التفكير بكل شيء ليس له علاقة بالحدث. أمّا بالنسبة للأسباب التي تدفعنا للشرود والغياب عن الواقع، فقد تعدّت حدود التعب والإرهاق لتشمل تفكير الشخص في أمور خاصّة فيه؛ كالحب والكراهية والحاجة والملل والمشاكل الأسريّة التي تخلق حالة من الصمت وفقدان التركيز والسفر في سلسلة من الخيالات الوهمية. وهذة الأسباب قد تخلق حالة من الذعر وعدم القدرة على التحمّل وفقدان الصبر حتى في أبسط الأحداث والمواقف وقلة التركيز بالإضافة إلى صعوبة الاستيعاب، ممّا ينعكس سلبًا على طريقة تعامل الفرد وسلوكاته. لم تكن مشكلة الشرود الذهنيّ مشكلة بسيطة يسهُل حلّها والتعامل معها، وخصوصًا بعدما تبيّنت آثارها السلبية على حياة الفرد، لذلك استوقفت هذه الظاهرة الأخصائيين والباحثيين الاجتماعيين الّذين قاموا بسلسلة من الدراسات استهدفت أكثر الفئات العمرية المتأثّرة، كفئة الأطفال في المراحل الدراسية الأولى من عمرهم وفئة كبار السن الذين مرّت على أذهانهم تجارب حياتية كثيرة للوصول إلى حل جذريّ لهذه المشكلة. وأسفرت التجارب والأبحاث أنّ إعادة هيكلة الفرد تعتمد اعتمادًا كبيرًا على انخراطه في العمل، وتحديد واجبات معيّنة عليه إنجازها وتحقيقها خلال فترة محدّدة، والعمل على تحديد المشكلات التي يعاني منها الفرد والتي قد تكون سببًا لشروده، ومحاولة إيجاد حلول له، ومن المؤكد أن الجانب الأجتماعي له الأثر الأكبر في حل هذه المشكلة؛ حيث أنّ علاقة الفرد مع العالم الخارجي قد يعود فيه إلى نفسه وكيانه ويبتعد عن التفكير الوهمي والخيالي. كما أثنى الباحثين على أهمية وجبة الإفطار وأعدّوها وسيلة للقضاء على فقدان التركيز بالإضافه لأهمية حرص الفرد على ممارسة التمارين الرياضيه دون جدوى. وفي النهاية دعونا نُشبّه هذه الظاهرة كرحلة قطار طويلة على سكة حديد ملتوية، وبين كل انثناء وآخر هناك سلبيّة وحل في الوقت نفسه، وفي الحقيقة أن في كل انثناء حكمة أرادها الله تعالى ليجعل منّا أشخاصًا أكثر قدرة على إفادة أنفسنا وتكريس ذهوننا لعبادة الله؛ لنعمق تفكيرنا قليلًا! ألا تحتاج الصلاة كم هائل من التركيز؟ ألا تحتاج إحضار الذهن وجميع الحواس؟ فلعلّنا نأخذ الحل الأول للمشكلة من ديننا، ونجعل صلاتنا أكثر عمقًا ونستوقف قلوبنا فيها لنصل للحل الأسمى للمشكلة التي أصبحت ظاهرة سيئة في حياة الفرد. والكثير الكثير من الظواهر الفكرية والعقلية والسلوكية التي يعاني منها الفرد وعلاجها أبسط ممّا يتخيله العقل. (اجعل صلاتك مفتاح لحياتك)