جيلُنا –جيل التسعينيات- هو الأفضل... فنحن حتمًا أذكى من جيل الثمانينيات وما قبلها، كوننا عاصرنا التكنولوجيا الحديثة منذ الصغر خِلافًا لِما عاصرته تلك الأجيال. أمّا جيل الألفين وما بعده، ذاك الجيل الطائش الذي يكاد يكون خارج السيطرة، فالواحد منّا لديه من الحكمة ما يُعادل حكمة كلّ من ضمن هذا الجيل. نعم نحن الأفضل! لكن انتظر قليلًا... إنّ من وُلِدوا مثلي في عام 1994 هم أفضل مِن مَن وُلِدوا في التسعينيات، لا يمكن لأحد أن يتفوّق علينا؛ فانظر إلى الموسيقى البائسة التي يسمعها من وُلِدوا في نهاية هذا العقد! وماذا عن كلّ من وُلِد قبلنا في التسعينيات، أولئك الذين يعتقدون أنّهم عقلاء بل أعقل منّا! لا يُمكن لهم أن يكونوا أفضل منّا.. لا لا يمكن! هكذا تنشأ الحلقة، تزداد عناصرها وتدور حتى تصل إلى نقطة ما، لتقذف بها إلى أخرى فيستمرّ دورانها لتتوقّف فقط عندما تنتهي البغضاء بين البشر. هذه هي طبيعة البشر، فنحن دائمًا ما نرى في أنفسنا الأفضل لنعلو في سلّم الكائنات فنتوّج أنفسنا ملوكًا على هرم الأحياء جميعًا! جميعنا نلاحظ تلك النظرة في كلّ جيل بشريّ تجاه الأجيال الأخرى، فكما قال جورج أورويل: ""كلّ جيل يجد نفسه أكثر ذكاءً من ذاك الذي يسبقه، وأكثر حكمة من الذي يأتي بعده"". ما سرّ تشبّث الكثير منّا بهذه الفكرة؟ وما مدى صحتها أساسًا؟! لنأخذ بعض الأمثلة من عدّة أجيال، فجيل الآباء والأجداد الآن قد يعترضون على تعلّق الكثير من أبنائهم بألعاب الفيديو لدرجة أنّ هناك فئة منهم قامت بعمل حملات عديدة ضد هذه الألعاب كونها ""ترسّخ أفكار العنف"" في أذهان أبنائهم! لكن من منظور الأبناء، فإنّ هذه الألعاب تطوّر فيهم الكثير من المهارات الشخصيّة؛ كسرعة اتخاذ القرارات وخوض تجارب عديدة وثقافات مختلفة في عوالم الألعاب الافتراضيّة التي تتبع ثقافات معينة. نزاع الأجيال هذا لم يقتصر على هذه الفترة، بل وُجد منذ مئات السنين! ففي عام 1871 نشرت مجلة Sunday الجملة التالية: ""إنّنا الآن نشهد زمنًا أصبحنا فيه نكتب لبعضنا رسائل قصيرة وسريعة متعدّدة بدلًا من أنْ نجلس لنتبادل الحديث في رسالة (حقيقيّة)!"" للوهلة الأولى نجد أنّ هذه الجملة تنطبق علينا في عصرنا هذا فيما يخصّ رسائل الهاتف المحمول، فكما يعترض العديد من الأجيال السابقة على رسائلنا هذه، كانت الأجيال الأسبق في القرن التاسع عشر أيضًا تعترض على أساليب المُراسلة الحديثة في ذلك الوقت! ليس هذا فحسب! بل في عام 1907 أيضًا رثت جريدة Journal of Education أن العائلات الحديثة أصبحت تجمّعاتها صامتة حول نيران المنزل، فكلّ فرد من هذه العائلة يضع رأسه في مجلّته المفضّلة ليقرأها بصمت. أعتقد أنّ هناك شيئًا مُشابهًا يحدث في يومنا هذا، ومستقبلًا عندما نصبح آباء وأجدادًا سنجد شيئًا مشابهًا يجعلنا نقول: ""آه من مراهقين هذا اليوم، لو أنّهم عاشوا في زمننا لعرفوا للحياة طعمًا أكثر جمالًا!"". هل هذا الانطباع اللا إراديّ في محله؟ الدراسات أثبتت أنّ الأجيال الحديثة هي الأفضل مقارنة بغيرها، فنسبة تعاطي المخدِّرات هي الأقل فيها، نسبة التعليم ازدادت، الجرائم المرتكبة من قِبل صغار السن قلّت عمّا كانت عليه، وغير ذلك الكثير. لكن مع ذلك فإنّ الأجيال القديمة تجد نفسها أفضل كونها نشأت على فكرة الاعتماد على الذات منذ الصغر خِلافًا لِما نشهده من معظم أبناء الجيل الحالي. كل تلك (الاتهامات) يتمّ تبادلها في حرب الأجيال هذه وفقًا لِما يمليه العقل على صاحبه. نعم العقل هو السبب؛ إنّ ماضي الشخص سيكون أكثر تشويشًا من تلك الذكريات الحديثة فهذا هو قانون الحياة: الزمن هو الحاكم وأنت هو المحكوم! الزمن يجبرنا عُنوة على نسيان ظروف الحياة في الماضي مهما كانت قاسية، فيزيّنها دماغنا لتبدو لنا نقيّة خالية من أيّ شائبة. ولنفس الشخص تبدو الحياة الحالية صعبة بالرغم من تطوّرها تكنولوجيًّا، لكنّ المصاعب كثيرة والحيلة لدى الجيل الحديث قليلة! إنّ لكلّ فترة زمنيّة صعوبات ممّا يجعلها تبدو الأقسى على الإطلاق، ونحن لا نعي هذه الصعوبات إلّا عندما نصل سنّ الرشد لنكتشفها بحقّ فتتضح الصورة لنا وتجعلنا أكثر خوفًا على أبنائنا، فنغضب لأفعالهم كلّما طاشت لأنّ هذه الحياة يلزمها الجديّة من أجل الصمود! تعدّدت الأسباب وأساليب التفكير، والنتيجة واحدة؛ نزاع لا متناهٍ بين الأجيال؛ وهو ما يسمّى بـ ""Juvenoia"". كي نتوصّل إلى حلّ لهذه (الأزمة) علينا أن ننظر إلى الصورة ببُعدها الكامل، ولندع عقلنا يُبحر في تفاصيلها. سندرك أنّ كل ما سبق هو نتيجة لحبكة دماغيّة مُتقنة أوجدها دماغنا لتزرع فينا تلك الأفكار. فلولا كَوْن كلّ جيل قادر على التعامل مع متغيّرات الحياة وصعوباتها لَما تمكّن الجنس البشريّ من البقاء! منّا مَن صمد، ومنّا مَن لم يصمد... من صمدوا سيحملون الراية لتمثيل كلّ مَن صمد ومَن لم يصمد، فيبقى الجنس البشريّ حيًّا مع كلّ جيل أيًا كان العقد والقرن. فصحيح أنّ قانون الحياة يجعل الزمن حاكمًا علينا، لكنّ الذكي فينا هو من يُوظّف ظروفه في زمنه سواء كان من أبناء القرن الثالث أو من أبناء القرن الحالي!