مَن منّا لم يفكّر ولو حتّى لوهلة عن إمكانية وجود كائنات فضائيّة تُقيم وتهدم الحضارات على مُختَلف أنواعها داخل هذا الكون الواسع! في الحقيقة فإنّ مثل هذا النوع من التفكير لا يُعدّ غريبًا على الإطلاق، وخصوصًا من كائن يتمتع بالصفات الفضوليّة كالإنسان؛ حيث شغل هذا الموضوع مُختَلف الأوساط العلمية وأشعل فضول الكثير من العلماء. وممّن التفت إلى هذا الموضوع العالم أنريكو فيرمي -فيزيائي إيطالي حاز على جائزة نوبل للفيزياء لعام ١٩٣٨-، وقد دخل فيرمي هذا المجال من خلال سؤاله الشهير: أين الجميع! وقد كان هذا السؤال كفيلًا بإنتاج نقلة نوعيّة في فكر مَن يهتّم بالبحث عن الحياة خارج كوكبنا، وذلك لأنّه يحمل الكثير من الحلول، وتتراوح نسبة هذه الحلول ما بين مليارات الفرص لقيام الحياة، وما بين انعدامها عدا تلك التي على كوكب الأرض، وبسبب هذا التباين الشديد في الحلول المقترحة، سُمّيت مجموعة الحلول بـ ""مفارقة فيرمي"". استند فيرمي في طرحه على مجموعة من الأدلّة، وكان أهمّها هو وفرة المجرّات والأنظمة النجميّة داخل هذا الكون الواسع، ممّا يُؤدّي بدوره إلى وجود عدد كبير من الكواكب تُقدّر بالمليارات، وهذه النسبة تزيد من احتمالية وجود كواكب تحمل صفات كوكب الأرض من حيث الحجم، والكتلة، والمناخ... إلخ. ولكن! ولسوء الحظ هذا لا يزيد من احتمالية قيام حياة ذكيّة على هذه الكواكب، وذلك بسبب وجود عوامل أخرى تتحكّم في نشأة الحياة؛ كوفرة نظام بيئيّ متكامل قادر على تحمّل العوامل الخارجيّة والداخليّة التي يتعرض لها كل كوكب. ومن الأدلّة الأخرى التي اعتمد عليها إنريكو في وضعه لهذا السؤال المُلهِم، أنّه عند وضع احتمالات عالية لقيام حضارات ذكيّة من الدرجة الأولى على أقل تقدير (حضارات قادرة على ترسيخ طاقة الكوكب لخدمة مصالحها، كتلك القائمة على كوكب الأرض) فإنّه على الأقل سوف تكون قادرة على تحقيق الشرط الأول من شروط قيام حضارة ذكية؛ ألا وهو غزو الفضاء! إذ بإمكانها تطوير الطرق للسفر بين الكواكب والنجوم، أو حتى المجرّات بهدف استعمار الكون الذي نحن جزء لا نتجزّأ منه، ولكن وبأخذ عمر الكون بعين الاعتبار الذي يقدّر بـ ١٣.٨٢ مليار سنة. يظنّ فيرمي أنه لو كان هناك حضارة أخرى خارج كوكبنا فسيكون من السهل عليها القيام بالبحث عن الآخرين الذين نعدّ نحن فرقة منهم. ومن التفسيرات الأخرى لمفارقة فيرمي، أنّ الأنسان قد تَخَلّف عن نزاع الجبابرة والسادة؛ حيث توصّلت الحضارات الأخرى إلى طريقة يحكم بها كلّ منهم، ولكن من غير أن يعلم الآخر بوجوده، وهذا يجعلنا تحت المراقبة والتجسّس من قِبَل هؤلاء الأشخاص، والبعض الآخر يظن أنّ هذه الحضارات قد زارت الأرض قبل بروز الحضارة فيها، ممّا جعلهم يُقلّلون من أهميّة هذا الكوكب واعتباره كوكب نامي لا فائدة منه، ولكنّ الطرف الثالث يرى أن الكائنات الفضائية تتجاهل الأرض بشكل تامّ ويتجنّبون الهبوط على سطحه خوفًا من أن يسبّب لهم الأذى؛ حيث أنّ تركيبه قد لا يُناسب أجهزتهم الحيويّة. و بالنظر إلى ما سبق، فإننا نُلاحظ أنّ الأمور لا تزال مُبهمة بعض الشيء، إذ لا يمكننا إنكار وجود مثل هذه الكائنات فقط لأننا لم نشاهدها، كما لا يمكننا أن نتيقن بوجودها أيضًا، فالأمر لا يزال معقّد ونحتاج المزيد من الوقت لنكتشف الحقيقة. وإلى أن يحين ذلك الوقت دعونا نتذكّر أنّ لنا خالق قادر على أن يقول للشيء كن فيكون.