إن كوكبنا روتينيّ. نعم هو روتينيّ بكل ما تحمله الكلمة من معنى. في الواقع إن جميع الكواكب التي نعرفها روتينيّة بطبيعتها؛ فهي تدور حول نفسها وحول نجمٍ ما لتنتج مع كل دورة كاملة لكلاهما ما استحدثناه نحن البشر كي نسيّر حياتنا كاملةً على أساسهما: اليوم والسنة. لكننا نكتشف مع كل يوم أن معرفتنا بهذا الكون تكاد تكون صفريّة نظراً لارتكاز علومنا إلى نقطة مرجعية هي طبيعة حياتنا نحن كبشر والوسط الذي نعيش به؛ فمؤخراً قد تم اكتشاف نوعاً جديداً من الكواكب جعلنا نعيد النظر بحجم معرفتنا، كواكب غير تابعة لأي لشمسٍ ولا نظام يحكم حركتها. كواكب ضالة.. أول هذه الكواكب اكتشافاً يبعد عنا مئة سنة ضوئية، وقد أثار هذا الكوكب العديد من التساؤلات؛ أكبرها كيف لكوكبٍ أن يجوب هذا الكون دون حاكمٍ له، كيف له أن يكون ""لا-روتينيّ""! جميعنا نعلم –بديهياً- أن عدم وجود نجمٍ ليدور حوله الكوكب سيجزم بأن هذا الكوكب مظلماً تماماً، بارداً متجمداً خالياً من الحياة ومقوّماتها.. أليس كذلك؟ ليس تماماً. نعم سيكون كوكباً حالِك الظلام متجمداً نظراً لعدم وجود مصدر طاقة خارجي يزوده بالضوء والحرارة اللازمة لوجود مقوّماتٍ للحياة، لكن في الواقع هناك مصدر طاقة ""داخلي"" هو حرارة باطن هذا الكوكب! هذه الحرارة بإمكانها أن تكوّن طبقة من الماء السائل أسفل كيلومترات عديدة من الماء المتجمد (في حال تواجد الأخير من الأساس). لنعود قليلاً إلى كوكبنا. إن قاع المحيطات في أرضنا يحاكي إلى حدّ كبير تلك الكواكب؛ فهو مظلم لا تصله أشعة الشمس، لكن مع ذلك فهو يحوي العديد من الكائنات الحية البسيطة! هذه الكائنات (والتي أُطلق عليها اسم Chemoautotrophs) لا تعتمد على الشمس لتبقى على قيد الحياة، بل تستمد قدرتها على العيش من الطاقة الخارجة من باطن الأرض والتي تتخلل جيوب قاع المحيط لتمتصها هذه الكائنات. وقد يكون هذا هو الحال في كواكب تفتقد مصدر طاقة خارجي، فمن الممكن أن تحوي أنواعاً من الكائنات تعتمد فقط على الطاقة الباطنية لها! نقلاً عن مجلة ""Nature"" فإنه يقدّر عدد الكواكب الضالة في مجرتنا بـ كوكبين غازيين هائلين لكل نجم، ولكل كوكب غازيّ ضال فهناك عدة كواكب مظلمة بحجم الأرض. وبالتالي نجد أن عدد هذه الكواكب إجمالاً يصل إلى عشرات ومئات المليارات في مجرتنا فقط! جانباً آخر قد يستحق التفكير به هو مرجعية الوقت في هذه الكواكب، فنظراً لعدم وجود نجم ليدور حوله هذا الجُّرم، فسينعدم مفهوم ""السنة"" له! قد لا نقدر على استيعاب فكرة انعدام مفهوم السنين، لكننا كبشر نعيش وفق مسلّماتٍ وضعناها نحن كي نعيش بها، كلها ترتكز إلى نقطة مرجعية واحدة هي قدرتنا ""نحن"" على الحياة. وفي هذا الكون هناك مليارات النقاط المرجعية التي قد نأخذها بعين الاعتبار لنغير وجهة نظرنا عن الكون وعلومه، فهل مرجعيّتنا التي اعتمدناها هي الصحيحة من بين كل تلك النقاط؟ أم أنها جميعها على صواب، كلٌّ وفق نظام خاصٍّ بها..؟