الأمواج الثقالية، هذا الموضوع الذي اجتاح العالم خلال فترة قصيرة ولأجله سخرت كل شركات الفضاء بالعالم إمكانياتها وجميع الوسائل الممكنة حتى تشرح ماهيّة هذه الأمواج، كيف تحدث، ممَّ تنتج، لماذا تحدث، وكيف تم إثبات هذه النظرية التي تحدث عنها العالم الفيزيائي الكبير " آينشتاين " منذ القدم! بدايةً، لنوضح المقصود بالأمواج الثقالية. الأمواج الثقالية هي تموجات تحدث في الزمان المكاني (الزمكان) حيث يتم الدمج بين الزمان و المكان كنسيج واحد. كلما تحرك جسم عبر الفضاء فإنه يسبب اضطراباً في الزمكان ينتشر على شكل تموجات في الخارج. إنها تبدو كما لو أن الجسم يتحرك في الماء! وضع آينشتاين فكرته حول الأمواج الثقالية في نظريته النسبية العامة وذلك قبل قرن مضى لتكن الجزء الأخير من النظرية، الجزء الذي لم يتم إثباته بعد. إن الأمواج الثقالية ضعيفة للغاية لذلك فهي عرضة للتداخل، فينبغي على باحثي LIGO (وهي عبارة عن مرصد لرصد الأمواج الثقالية) أن يكونوا على قدر كبير من الدقة يجعلهم متأكدين من كونهم قد قاموا بقياس هذه الامواج فقط ولا شيء غيرها. حسب الإشاعات، فقد تم رصد الأمواج الثقالية من اندماج ثنائي لثقبين أسودين بكتلة ٢٩ و ٣٦ ضعف كتلة شمسنا. هذا الاندماج أدى إلى تشكل ثقب اسود ضخم تقدر كتلته ب ٦٢ مرة قدر كتلة شمسنا. اندماجٍ كهذا بين جسمين ثقيلين في الفضاء سيسبب تموجات قوية في الزمكان! إن قياس طول الأمواج الثقالية يتم من خلال إطلاق إشعاع ليزر بين مرآتين، حيث يتم بذلك انعكاس الضوء و من ثم يتم ادخال الموجات الثقالية ليتم التطابق. الآن ما المهم في هذه الأمواج؟ إن نظرية آينشتاين في النسبية العامة قد أحدثت ثورة في مجال فهمنا للجاذبية الأرضية، وهي تعد من أعظم دعائم الفيزياء الحديثة، ولكننا نعلم أنها لا تستطيع تقديم وصف شامل عن الكون، لعدم توافقها مع نظرية رئيسة أخرى هي "ميكانيكا الكم". لكن مع دراسة الأمواج الثقالية سيتمكن الفيزيائيون من اكتشاف طريقة لتوسع نطاقها فتشكل فهمنا للكون برمته! إلى جانب وضع أفكار آينشتاين تحت الاختبار، فإنّ أول رصدٍ مؤَكّدٍ للأمواج الثقالية سيفتح الباب أمام علم فلكٍ جديدٍ كلّيّاً، فكما نستخدم أطوال موجات كهرومغناطيسية مختلفة لمراقبة الكون، كالضوء المرئي والأشعة الأخرى كالسينيّة وتحت الحمراء، ستصبح الأمواج الثقالية بمثابة عين جديدة لنا ننظر بها إلى الكون! سيقدم لنا هذا منظوراً جديداً لبعض الظواهر كالثقوب السوداء والنجوم النيوترونيّة. في عام 1974، قام عالما الفضاء راسل هالس «Russel Hulse» وجوزيف تايلور «Joseph Taylor» برصد زوجاً من النجوم النابضة. كان هذان النجمان الميّتان يرسلان في الفضاء نبضات من الأمواج الراديوية. لاحظ العالمان حينها أن النجمين كانا يخسران كمية من الطاقة خلال دورانهما الحلزوني حول بعضهما، وهذه الكمية من الطاقة موافقة لما جاءت به نظرية النسبية العامة لآينشتاين، والتي تقول بأن كمية الطاقة المفقودة تنتشر على شكل أمواج ثقاليّة. يجدر بالذكر أن هالس وتايلور حازا على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1993 بفضل هذا الاكتشاف. لنتطرّق الآن لخطأ يقع في مصيدته العديد من الناس، وهو أن الموجات الثقالية هي نفسها موجات الجاذبية. إن هذان الوحشان مختلفان تماماً! فالأمواج الثقالية عبارة عن تموجات في الزمكان، وقد تنبأت النظرية النسبية العامة لآينشتاين بها قبل قرنٍ مضى، وتتولد بواسطة التسارع (أو بالفعل التباطؤ) الناتج عن الأجسام فائقة الكتلة في الكون. إذا انفجر نجم كمستعر أعظم (سوبرنوفا)، فإن الأمواج الثقالية تحمل الطاقة بعيداً عن الانفجار بسرعة الضوء. إذا اصطدم ثقبان أسودان فإنهما سيسببان هذه التموجات في الزمكان لتنتشر كالتموجات على سطح بركة ما. وإذا كان هناك نجمان نيوترونيان يدوران حول بعضهما بشكل قريب جداً، فإن الطاقة ستُحمل من هذا النظام بواسطة الأمواج الثقالية. إن الكشف عن هذه الأمواج ومراقبتها يفتح الآفاق لحقبةً جديدة من علم الفلك، الأمر الذي يسمح لنا بالتفريق بين أدلة الأمواج الثقالية والعمل على معرفة الظاهرة التي ولدتها. فعلى سبيل المثال، نبضةً مفاجئة من الأمواج الثقالية ربما تشير إلى أنها قادمة من انفجار مستعر أعظم، في حين أن إشارة تذبذبية متسمرة قد تشير إلى دوران ثقبين أسودين قريبين من بعضهما قبل اندماجهما. لنتكلم الآن عن موجات الجاذبية، فهي اضطرابات فيزيائية نشأت من قوة الاستعادة الخاصة بالجاذبية في بيئة الكواكب. بعبارة أخرى، موجات الجاذبية تخص الأغلفة الجوية الكوكبية والأجسام في الماء. في حالة الأغلفة الجوية، على سبيل المثال، فإن الهواء يندفع عبر المحيطات ويواجه جزيرة ما، فيُجبَر الهواء على الارتفاع للأعلى، بينما الرياح السفلية في الجزيرة ستبقى على ارتفاعات منخفضة بسبب الجاذبية، لكن الطفو سيعمل عكس الجاذبية ما يجعلها ترتفع للأعلى مجدداً، والنتيجة غالباً ما تكون عبارة عن منطقة اضطراب للهواء في الغلاف الجوي والتي يمكن أن تُنتج الغيوم في قمم الأمواج حيث تتكاثف الرطوبة ضمن ارتفاعات منخفضة. بعد كل هذه المعلومات والخصائص لكلا الموجتين نكتشف أن الجاذبية مسؤولة عن كل من الأمواج الثقالية وموجات الجاذبية، لكنهما تمتلكان خصائص مختلفة للغاية لا ينبغي الخلط بينها. والجدير بالذكر معرفة أنه تم اكتشاف هذه الموجات رسمياً يوم الخميس الموافق الحادي عشر من شهر شباط (فبراير) إذ تم الإعلان عن أول تحديد مباشر للموجات الثقالية على نطاق واسع من قبل مرصد مقياس التداخل الليزري للأمواج الثقالية المتقدم LIGO، باستخدام مرصديه العملاقين التوأمين، أحدهما في ليفينغستون - لويزيانا، والآخر في هانفورد – واشنطن. الآن يجب علينا معرفة الأسئلة الكونية التي تم معرفة أجوبتها بعد اكتشاف الموجات الثقالية. هل توجد الثقوب السوداء حقاً؟ إن الإشارات التي أعلنتها LIGO ناتجة عن اندماج ثقبين أسودين، أحداث كهذه هي الأكثر نشاطاً؛ فإن قوة الأمواج الثقالية التي تصدرها يمكن أن تعادل باختصار كل النجوم في الكون المرئي مجتمعة! ويمكن تصنيف الموجات الثقالية لاندماج ثقبين أسودين من أصفى الإشارات التي يمكن تفسيرها. الاندماج يحدث عندما يبدأ ثقبين أسودين بالدوران حول بعضهما البعض، ليشعّان طاقة على شكل أمواج ثقالية. من المفترض أن تمتلك هذه الأمواج صوت مميز، والذي يمكن استخدامه لقياس كتلة كل منهما، وبالتالي فإن الثقوب السوداء بالفعل تندمج. عندما بدأ العلماء يقارنون الملاحظات من LIGO مع تلك الناتجة عن تلسكوبات أخرى، فإن واحدة من الأمور التي تحققوا منها أن الإشارات لا تصل في نفس اللحظة. افترض الفيزيائيون أن الجاذبية مكونة من جزيئات تدعى الغرافيتونات، أي النظائر الثقيلة للفوتونات. ولو كانت هذه الجزيئات كالفوتونات، عديمة الكتلة، فعندها ستسافر الموجات الثقالية بسرعة الضوء محققة التنبؤ بسرعة الموجات الثقالية في النظرية النسبية العامة التقليدية (سرعتها يمكن أن تتأثر بالإتساع المتسارع للكون، ولكنها ستصل مسافات أبعد مما يستطيع LIGO الوصول إليه). لكن من المرجح أن الغرافيتونات لها كتلة خفيفة للغاية، وهذا يعني أن الأمواج الثقالية ستسافر بسرعة أقل من سرعة الضوء فيمكننا القول أن LIGO وفيرغو تمكنوا من تحديد الموجات الثقالية من حدث كوني، ووجدوا بأن الأمواج استغرقت مدة أطول بقليل للوصول إلى الأرض من إشعاعات غاما المرافقة لها والتي تم تحديدها بواسطة التلسكوبات التقليدية. لربما كان اكتشافاً أكثر غرابة لو وجدنا أن الموجات الثقالية قادمة من وتر كوني. إن نقاط الضعف الافتراضية في تشوهات الزمكان قد تكون مرتبطة بنظرية الأوتار والتي تنص على أن الزمكان يتكون من أوتار كونية، بحيث يمكن أن تكون رقيقة للغاية وتمتد عبر مسافات كونية. تنبأ الباحثون بأن الأوتار الكونية، إذا فرضنا أنها موجودة، سوف تطوّر نقاط الضعف فيها، فإذا انقطع أحد الأوتار سيطلق فجأة موجة من الأمواج الثقالية، والتي سيقوم المكتشفون أمثال LIGO وفيرغو بتحديدها وقياسها. يوماً بعد يوم نجد أنفسنا أمام اكتشاف جديد من شأنه أن يهزّ عالمنا ومعرفتنا، وها نحن في عصر التطور العلمي والتكنولوجي لنشهد اكتشافات مثل الأمواج الثقالية التي من الممكن أن تغير نظرتنا عن الكون. ماذا سيكشف العلم لنا في السنين القادمة يا تُرا؟ أمراً واحداً متأكداً منه، أن هذه السنين ستحمل لنا في طيّاتها أموراً جديدة لم نكن نتخيلها على الإطلاق!