كم لنا في الخيال حياة! كثيراً ما يصيبنا الشرود وكأننا سافرنا في رحلة ٍ وابتعدنا عن العراك مع فوضى الحياة، إذ لا يشكل الواقع رغم اتساعه حولنا تلك المساحة الكافية لإشباع دوافعنا، أو ربما لا تتيح الظروف المحيطة بنا الإمكانية لتسير الأمور وفق تصورنا وتخطيطنا المطلق. يأتي الخيال هنا كبساطٍ مُدّ إلينا يجعلنا نعيش في عالمٍ لا يلامس الحقيقة، نتحدث هنا بالتحديد عن ظاهرة نفسية نمارسها في الحياة بدرجاتٍ متفاوتة، على هيئة شرود أو ما يسمى بالسرحان وعدم تذكر الأشياء والبطء في إنهاء المهام نتيجة لذلك، وقد يصل الأمر إلى الإستغراق الشديد في أحلام اليقظة، إلى أن تستنفد من الشخص جزءاً كبيراً من طاقته النفسية وقد ينتهي به الأمر إلى العجز عن التمييز بين الواقع والخيال. نأتي الآن لتعريف هذه الظاهرة بأنها إستجابة بديلة للإستجابات الواقعية يحقق فيها الشخص إشباعاً جزئياً لدوافعه الداخلية وتحدث عن طريق لجوء الفرد للتخيّل مما يقلل من التوتر والقلق الناتج عن التفكير بالدافع الأساسي. تنقسم هذه الظاهرة بطبيعتها كممارسة طبيعية تحدث من خلال التخطيط لما هو قادم ويندرج تحت هذا، تخيّل ما يمكن أن يكون دون التأثير على الإنجاز الوظيفي، ومن هنا نصل إلى أنه إذا تعطّل الإنسان عن وظائفه نتيجةً للإبحار في خياله مما يؤدي إلى عزله عن الواقع فهي تُصنّف بهذا كحالةٍ مرضية. وكما قال فواز اللعبون : " إذا سئمت حاضرك، فاقرأ دعاء السفر، وانتقل إلى زمن تُحِبّه." ومن هنا يتبارد إلى الذهن ما الذي يدفعنا إلى أن نسأم من الواقع واللجوء إلى الخيال، لهذا الشيء عدة أسباب ومنها : الإصابة بالإحباط، وقد يعي الإنسان إصابته بذلك عند الفشل في الوصول لهدف ما ويصحبه الشعور بالخيبة والهزيمة، وقد لا يدرك ذلك وبهذا يكون قد دخل في متاهة اللاوعي. ويعد فقدان الثقة بالنفس أحد مسببات حلم اليقظة إذ لا يملك الدافع أو التفكير بأنّ باستطاعته فعل أمر ما في الواقع فيلجأ كطفلٍ يحتضن الخيال ليصل في عقله الباطن إلى ما يطمح. وغير ذلك من عدم القدرة على التكيّف مع معطيات الحياة يجعل المرء يخلق لنفسه تلك الفُسحة التي لا تمت للواقع بأي صلة. هذه الظاهرة إن تمكّن الشخص من السيطرة عليها وعدم الإغراق بها فهو بذلك يأوي بنفسه إلى رُكنه الخفي الجميل، بينما إن أصبحت تؤدي به لتعطيل وظائفه والإنعزال عن عالمه فهي بذلك تهوي به إلى غيابة الجُبّ ولا يملك أحد انتشاله منها إلا إن تغلّب هو بنفسه على مسبباتها وأدرك ما هو فيه، فيأتي ليلتقط نفسه بنفسه.