الوعي

تجلس أمام جهاز الحاسوب الخاص بك، تنجز الأعمال المتراكمة بسرعة فائقة ووقت أقلّ من العمل اليدويّ، تنتهي وتجول في تفكيرك إلى أن تقف متأملًا هذا الاختراع وتحدّث نفسك: هذا الكمّ الهائل من المعلومات التي يمتلكها هذا الجهاز، والقدرة الفائقة على تنظيم الأوامر وإدارتها على أتمّ وجه، تجعل منه واعيًا أم لا! ثم ينتهي المطاف بك عند سؤال عميق؛ ما هو الوعي؟ وكيف يكون الشيء واعيًا؟ هل الحيوان يمتلك الوعي أم اقتُصر على الإنسان فقط؟ إنّ قضية الوعي كانت قضية شائكة؛ أي محاولة الحديث عنها تشكّل مخاطرة أشبه ما تكون بلمس سلك كهربائي غير معزول، قد لا يؤدّي إلى الموت لكن من المؤكّد أنّ العواقب وخيمة! والسبب وراء الخوف من الحديث عن الوعي هو الصراعات المذهبية التي أخذت تنمو بشكل لا يمكن السيطرة عليه. خلال السنوات الماضية القريبة، ونتيجة تزايد عدد علماء الأعصاب وعلماء النفس، ورفضهم الشديد اعتبار الوعي قضية لا يجب دراستها أو المساس بها، بدأ البحث عن أسس الوعي وماهيّته. تمّ التوصّل إلى أنّ الوعي يرتكز على أساسين رئيسين هما: وجود البيانات والمعلومات، والقدرة على الربط بينها والحصول على العديد من النتائج التي تساعد الإنسان في الوصول إلى الحقائق وإدراك الحياة من حوله. جهاز الحاسوب يمتلك البيانات والمعلومات وبهذا يتحقق الشرط الأول لامتلاك الوعي، لكنّه لا يستطيع الربط فيما بينها إلّا بتوجيهات معينة من الإنسان الواعي، وهذا ما يجعل الحاسوب غير واعٍ. تعتني بكلب في منزلك، تجذبك تفاصيله، فيراودك سؤال: أنا أعلم بأنّني إنسان واعٍ، وهذا الحيوان يدرك العديد من الأمور، هل هو واعٍ؟ الحقيقة أنّ الكلاب تدرك هذا العالم من خلال حواسها؛ فهي ترى، تسمع، وتتذوّق عالمها، إنّها تتذكر في أي مكان كانت، كما تستطيع تمييز وتصنيف الأصوات. قد تُعجَب الكلاب ببعض الأشخاص أو الأشياء وقد تمقِت بعضها الآخر، كما يظهر خوفها بشكل واضح في بعض المواقف ومتعتها في المواقف الأخرى. ممّا سبق؛ يبدو جليًّا أنّ الكلاب ليست مجردّ آلات حيوية مجرّدة من التجارب والمشاعر الداخلية، بالتالي فإنّ الحكم عليها بأنها غير واعية حكم سخيف تمامًا كمن يحكم على جاره بأنه لا يمتلك الوعي! تختلف الكلاب عن البشر ليس بكمية الوعي التي تمتلكها، بل في الأشياء التي تعيها، فهي تفتقد الوعي الذاتي، كما أنها لا تستطيع التفكير وحصد النتائج كما نفعل نحن، وهذا يجعلها تمتلك وعيًا أقل، بالمقابل تستطيع الكلاب التقاط تردّدات صوت أعلى من التي تستطيع الأذن البشرية التقاطها، كما أنّ حاسة الشمّ لديها فاقت حاسة الشمّ عند الإنسان بدرجات. يقول ويليم جيمس: إنّ الذي يشعرك بأنك واعٍ هو شعورك بأنك أنت وليس شخصًا آخر. فالوعي عبارة عن تحوّل قائمة من المثيرات الحسية والنشاطات العقلية إلى مشهد له صورة متكاملة يستغرق بقاؤها فترة زمنية كافية. والحيوانات المتطورة تمتلك جزءًا من الوعي على خلاف الكائنات الحية البسيطة والنباتات فإنّها لا تمتلك أيّ شيء من الوعي. موضوع الوعي يحمل في جعبته الكثير من البحث والتنقيب عن الحقائق، كما يحتاج إلى دراسة الكائنات على وجه التفصيل لندرك ماهيّة وعيها وفيما تتميز عن غيرها، السؤال لكم هنا: هل يوجد واعي زائف؟