هذيان الإنكار

نوقن جميعًا أنّ حياتنا كما بدأت ستنتهي، وكما وُلِدنا سنموت، كلّ في ميعاده وحسب قدره. فندرك أنّ الزوال أمر محتوم، فالموت بطبيعته ودون الدخول في وقائع انتقال الروح من عالم الأحياء الى عالم الغيابات، فهو في صريح العبارة خروج الروح من الجسد، فالروح هي الجزء الحيّ والجزء الذي يُحرّكنا، كبطاريّة بجهاز ما؛ عدم وجودها يعدم أهمية الجهاز. وهذه هي الفشّة الموقنة بذلك، لكن ماذا عن اللذين ينكرون وجودهم! ولا يُقصَد بذلك وجود حالة اكتئاب أو عدم ثقة بالنفس، إنَّما المقصود نُكران الحياة والشعور بالموت! سيُخيّل لك أنه وهم في بعض البشر، والرأي في ذلك مُتفق عليه فهو وهم مُعترَف به، ومرض نفسي اكتُشِف على يد ""جول كوتر"" وسُمِّي باسمه ""وهم كوتار"". لاحظه كوتار عندما عندما أتت عليه سيّدة وأنكرت وجود بعض الأعضاء في جسمها وادعت أنّ جسدها ميّت ورفضت أن تأكل حتى ماتت حقيقة! يقول دكتور جول: ""إنّ هذه الحالة تأتي بعد الإصابة باضطرابات نفسيّة شديدة وباكتئاب شديد ومَن يعاني منها يصبح كالجثة بالفعل! حتي في التصرفات، ويكون مقتنع بعدم وجود أعضاء في جسده وهناك من يعتقد أنّه خالد فيقوم بالانتحار لإثبات كلامه. الأشخاص المصابون بهذه المتلازمة عادة ما يصبحون منعزلين عن الآخرين وينكرون أنفسهم تمامًا من الوجود ويميلون إلى إهمال نظافتهم الشخصيّة وسلامتهم. مع مرور فترة من الزمن يؤدّي هذا الوهم إلى استحالة الإحساس بالواقع بالنسبة للمرضى، ممّا يؤدّي إلى تكوُّن صورة مشوّهة جدًا عن العالم. فمتلازمة ""الجثمان السائر"" كما سمّاها ""كوتار"" لا تستدعي بالضرورة وجود هلوسات ولكن الأوهام القوية يمكن مقارنتها مع تلك الموجودة لدى مرضى الفصام. أمّا بالنسبة للعلاج المستعمل لهذه الحالة هناك العديد من التقارير التي تحدثت عن نجاح العلاج بالدواء، فمضادّات الاكتئاب ومضادّات الذهان ومثبّتات المزاج النفسي مجموعة من الأدوية التي تُستخدم لعلاج الاضطرابات المميزة بتحوّلات مستمرّة ومكثّفة في المزاج، لذلك نصح باستخدامها لعلاج هذا الوهم النفسيّ أيضًا. وُيقال أنّ المزج بين العلاج بالصدمات الكهربية والعلاج بالأدوية جاءت في الواقع بنتائج إيجابية. ففي نهاية الأمر نذهل لوجود أمراض كهذه فالحقيقة أنّ مثل هذه الأمراض نظرًا لنُدرتها لا ندركها في أغلب الأحيان! و لا نعلم بوجودها أصلًا! لكن هذا لا يُنكر وجودها إطلاقًا!