حياة الأصوات وبعثرة الحروف، لون الأرقام وطعم الكلام، تنتشر حولنا الألوان في كل مكان من أي كلمة أو حركة كانتشار حبر قلم في كأس ماء؛ فتخلق حواسّ مختلفة كأنّك في عالم آخر. هو يرى وهي تسمع وأنت تتذوق، الفرق ليس امتلاك الحاسّة بل تجاوز أبعادها الاعتيادية. هل سمعت بما يسمى بـ ""الترافق الحسيّ - Synesthesia"" من قبل؟ شرح ماهية الترافق الحسي معقد قليلاً نظراً لأنّ الترافقيين أنفسهم لا يدركون الفرق! فالغريب في الأمر أنّ المقيمين في هذا العالم -عالم الترافق الحسّي- لا يعلمون بغربتنا عنهم، أنحن نستوطن عالمهم، أم هم قد تجاوزوا حدود عالمنا؟ فكلانا لا يعلم بوجود الآخر.. قام العلماء المختصّين بتعريفها على أنها ظاهرة عصبيّة وراثيّة تؤدي إلى تحفيز سيل حسّي أو إدراكي إلى تنبيه تلقائي غير إرادي في سيل حسّي أو إدراكي آخر منفصل، ونستطيع اختصارها بأنها اجتماع حاسّتين على الأقل لتكوين حواسّ جديدة بقدرات خارج حدود المألوف! الترافق الحسّي يعتبر صفة وراثيّة، ولكن نمطه قد يختلف بين أفراد العائلة الواحدة. رغم وجود دلالات واضحة تسمح بتعريف هذه الظاهرة ذات الطيف الواسع، يقول الترافقيون أنّ تجاربهم لم تكن واقعية بالنسبة إليهم، إلّا عندما أدركوا أنّ الآخرين لا يمرون بالتجارب نفسها، وهم أنفسهم لا يدركون فرق القدرات بينهم، فيختبرون نفس التجربة بأشكال مختلفة، وهذا ما أكسب الظاهرة ندرتها. تصنّف الظاهرة حسب المحفّز والنتيجة، فإنّ إدراك الأرقام أو الأحرف هو المحفّز، والنتيجة هي رؤية هذه الأرقام في دماغ الترافقيّ بألوان مختلفة؛ فبعض الترافقيين يرى الأحرف الصوتية بألوان أقوى وأشدّ من غيرها، بينما يرى البعض الآخر الأحرف الصامتة بألوان أكثر حيويّة! ومثال على هذه الظاهرة، ماليسا ماك كراكين التي تبدع في رسم لوحاتها المقتبسة من رؤيتها لألوان الموسيقى، فتنقل لحظتها الخاصة لواقعنا الحيّ لتعرض لنا جمال بعثرات حياتها؛ فكما تجاوزت حدود الحواس، استطاعت تجاوز حدود الإبداع. لا يقتصر الأمر على رؤية ألوان الأصوات، فبعضهم يستطيع أن يرى التسلسل الرقميّ بشكل مجسّد في المكان حوله، وآخر لديه المقدرة على الإحساس بشعورك حتى لو لم يخض نفس تجربتك، عالم يثير الدهشة! وتحتار.. هل تجوب خباياه؟ أو تكون جزءاً منه؟ أو تبقى خارجه تشاهد من بعيد؟ هل أنا ترافقيّ؟ حسب الدراسات يحدث الترافق بنسبة شخص لكلّ 2000 شخص، فيمكن أن أكون أنا أو أنت ! ريتشارد سيتوفيتش قام بوضع معايير لتحديد الترافق الحسيّ، حيث يحدث الترافق الحسيّ بشكلٍ تلقائيّ وغير إراديّ وفي نفس الوقت يستطيع الترافقيّ تذكّر اللحظات التي ظهر فيها الترافق، عدا عن تأثيره على حياته الواقعية فيمتدّ الإدراك الإضافي الذي يعيه الترافقيون إلى المكان المحيط بهم، فهم يضيفون بذلك بعدًا مكانيًا للحاسة الإضافية. ظاهرة تغوص في أعماق الندرة، حيث عجز العقل عن احتوائها فاعتبرها قدرة خارجة عن حدود المعقول، فسحة إضافية تسمح لنا بتغيير أقطار الحقيقة لتستوعب أقطار اللامعقول، كأبعاد جديدة بكيان آخر. ما يجب التفكير به حاليا هو: هل سيصبح عالم الترافق عالم الإعتيادية الجديد..؟!