الإلكترونات.. لطالما درسنا عنها وعرفنا مدى تأثيرها على حياتنا؛ فحركتها في مسار معين يمثّل مرور تيار كهربائي في المادة، ومقدرة هذه الإلكترونات على الحركة تمثّل أساس الحياة المعاصرة فهي بحركتها هذه تولّد تيارات إبداعية لدى أصحاب العقول الهندسية ليطبقونها على أرض الواقع، فنحصل بذلك على كل ابتكار تكنولوجي جديد. لكن لنفترض أن جميع الالكترونات في كوننا توقفت عن الحركة بشكل تام.. ما الذي سيحصل حينها؟ هل سنتحول إلى مجرد كائنات تبحث عن مصدر كهربائي كطفلٍ رضيع يبحث عابثاً عن مصدر حليب كي يشتد عوده؟ أم أن لذلك أبعاد أكبر بكثير قد لا تخطر لنا للوهلة الأولى؟ أؤكد لكم أن الأمر لن يقتصر فقط على مدى رفاهيتنا، بل إن تأثيراته ستكون مدمرة على مستوى التوازن الكوني بحد ذاته! قبل الخوض في دوّامات موضوع هذا المقال، فإنه لغاية الآن (ونتيجة ساعات مطوّلة من البحث على مدى أيام) لم أجد تفسيراً صريحاً أو رأياً ثابتاً يخص هذا الموضوع نظراً لاستحالة حدوثه. لكنني سأتطرّق إلى العديد من الأمور التي من شأنها أن توضح لنا بعضاً من خفايا توقف الكترونات كوننا عن الحركة. سنتناول موضوع مقالنا من عدة جوانب، كلٌّ منها سيكون منفصلاً تماماً عن غيره وكلٌّ له تفسيراته الخاصة. بدايةً، جميعنا سمعنا بالصفر المطلق (صفر درجة كلفن أو -273.15 درجة سلسيوس)، هذه هي الدرجة التي تتوقف عندها جميع الجزيئات عن الحركة، بما في ذلك الالكترونات؛ لذا فإن توقف الالكترونات في الكون عن الحركة قد يعني أن حرارة كوننا وصلت إلى تلك الدرجة بطريقة أو بأخرى (مع أن ذلك مستحيل نظرياً). هذا سيعني حتماً أن كل شيء سيتجمد لدرجة أن جزيئاته ذاتها ستتوقف تماماً عن الحركة! هذا لن يفيدنا فعلياً في فهم ظاهرة توقف الالكترونات، وبالتالي سنأخذ هذه الحالة على مستوى جسم معين أمامك (ولتكن كرة حديدية). وصول هذه الكرة إلى الصفر المطلق (أو واحد من المليار منه) ومع إلغاء التأثير المتبادل بين حرارتها وحرارة الغرفة، فإننا سنشهد حالة فيزيائية جديدة للمادة! الحالات الفيزيائية الشهيرة للمادة هي: الصلبة، والتي تحمل طاقة قليلة في جزيئاتها. السائلة والتي تحمل طاقة أكبر من الصلبة في جزيئاتها. والحالة الغازية التي تحمل طاقة أعلى من سابقاتها. كما أن هنالك حالة رابعة هي البلازما والتي نحصل عليها عند تسخين المادة إلى درجة عالية جداً فتصبح جزيئاتها مخزناً هائلاً للطاقة. إلا أن الحالة التي سنتناولها الآن تعتبر معاكسة تماماً للبلازما؛ فهي تحمل أقل طاقة ممكنة بين جزيئات المادة، كما أنه لنتوصّل إليها فعلينا أن نقوم بتبريد المادة بشكل غير عادي كي نستطيع الوصول إليها. هذه الحالة الفيزيائية الخامسة تم تسميتها بـ ""تكاثف بوز-آينشتاين"" أو ""Bose-Einstein Condensate"". في مثالنا، عندما تصل حرارة الكرة الحديدية إلى مستوى النانو كلفن أو أقل، فإنها ستصبح في الحالة الفيزيائية الأخيرة ""تكاثف بوز-آينشتاين""؛ وحينها ستقل حركة الذرّات واهتزازاتها وستبدأ جميعها بالتكتّل فوق بعضها البعض لتكوّن لنا مجسماً ذو خواص فيزيائية عجيبة! لذا ففي هذه الحالة – إيصال حرارة الجسم إلى الصفر المطلق – ستتوقف الكترونات الجسم عن الحركة لعدم امتلاكها أي طاقة، وسنلاحظ تغيّر هيئة الكرة إلى شكلاً عجيباً قد لا نستطيع تخيله الآن لأن الخصائص الفيزيائية والكيميائية حينها لن يصبح لها معنى نعرفه! ما تم التحدث عنه هو افتراض كان حدوثه مقيداً بالوصول إلى الصفر المطلق، لكن لنبحر الآن إلى جانباً جديداً وبعيداً عن ذاك القيد. لنفترض أن الالكترونات توقفت في كوننا عن الحركة لسبب معين دون أن نصل إلى درجة الصفر كلفن. ماذا سيحدث حينها؟ جميعنا نعلم أن الالكترونات تدور حول النواة موجبة الشحنة، وهي تحافظ على مدارها بسبب توازن القوى المؤثرة عليها: قوة الجذب المغناطيسي ما بين الالكترونات سالبة الشحنة والنواة (أو البروتونات) موجبة الشحنة، وقوة الطرد المركزي الناتجة عن دوران الالكترونات. إن توقف الالكترونات عن الحركة ولفترة معينة سيعني انعدام قوة الطرد المركزي المؤثرة على الالكترونات، مما يؤدي إلى وجود قوة واحدة سائدة هي قوة الجذب المغناطيسي وبالتالي ستستمر الالكترونات بالانجراف نحو النواة إلى أن تصبح داخلها! يقول البعض أن هذا سيؤدي إلى اصطدام الالكترونات بالنواة ومن ثم تحطم هذه النواة وبالتالي تحطم الذرّة.. هنا علينا أن نعلم أمراً مهماً وهو أن الالكترونات ليست جزيئات بل هي عبارة عن موجات من الطاقة، لكننا نعتبرها جزيئات لغايات تسهيل فهمها وتصورها في عقولنا فقط! هذه الموجات حجمها أصغر بكثير من حجم البروتونات والنواة لذا فعندما يتم جذبها فعلى الأرجح لن يكون لها تأثيراً يذكر. وحين يصبح الالكترون داخل النواة فإن الطاقة اللازمة لتحريره ستصبح هائلة جداً بالمقارنة مع تلك اللازمة لتحريره من خارجها، لدرجة أن التيارات الكهربائية ستصبح أمراً شبه مستحيل مما يجزم بأننا سنفقد الكهرباء وكل ابتكار تكنولوجي معها! هناك جانباً آخر مختلفاً عن سابقاته قد يفسر ظاهرة توقف الالكترونات. هذا الجانب يستند إلى مبدأ الشك الذي ينص على أنه لا يمكننا تحديد سرعة أو زخم جسم ما وموضعه في ذات الوقت بشكل دقيق، بل إن نسبة الخطأ لسرعة أو زخم الجسم مضروبة بنسبة الخطأ للموقع سيساوي تقريباً ثابت بلانك. هذا يعني أنه مهما وصلنا في دقة حساباتنا فإنه ستوجد دائماً نسبة خطأ ضئيلة جداً فيها. لنربط هذا المبدأ بموضوعنا. إن توقف الالكترونات عن الحركة سيعني أن سرعتها أصبحت صفراً، وبالتالي الزخم سيصبح صفراً أيضاً. هذا يعني أن نسبة الشك (أو نسبة الخطأ) بقيمة الزخم ستكون صفراً أيضاً لأننا نعلم بشكل صريح أن الزخم نفسه يساوي صفراً. استناداً إلى المبدأ، فإن نسبة الشك بقيمة الزخم مضروبة في نسبة الشك بموقع الجسم (الالكترون في حالتنا هذه) يجب أن تساوي ثابت بلانك. وبما أن نسبة الشك بالزخم تساوي صفراً، لذا فعلى نسبة الشك بموقع الالكترون أن تصبح لانهائية! بناء على ما سبق وعلى افتراضنا الأولي بتوقف الالكترون فإنه سيكون ثابتاً في موقعه كون سرعته وزخمه يساويان صفراً، وفي ذات الوقت قد يكون هذا الالكترون في أي مكان ممكن!! كل هذه التفسيرات لها طابعها الخاص في توقع ما قد يحدث في حال توقفت الالكترونات عن الحركة، وكلٌّ لها أسلوباً مميزاً في إقناعنا. لكن بالنهاية، هل توقف الالكترونات يعني أن نكون قد وصلنا إلى درجة الصفر كلفن، أي فنائنا كجنسٍ بشري؟ أم أنه يمثّل لحظة عكس الساعة الرملية للتاريخ البشري فنبدأ من الصفر كما بدأ أجدادنا منذ ملايين السنين؟! بل الأغرب من ذلك كله، هل سنرى كل جسمٍ ثابتٍ يجيء ويذهب في كل مكان كساحرٍ يلوح بيده فيختفي ويظهر في مكان مختلف تماماً؟! قد لا نستطيع الإجابة عن هذا السؤال في هذا الوقت، لكن العلم حتماً سيسعى لإيجاد جوابٍ يقطع الشك باليقين ليروي ظمأ فضولنا!!