الله خلقنا جميعًا لمهمّة ما، فخلق الإنسان للعبادة ولإعمار هذه الأرض، وسخَّر له الكائنات المتنوعة وهي كذلك خلقت لقدرٍ وسببٍ ما، منها ما نعلمه وكثير منها ما نجهله. قال تعالى: "" إنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت"" - صدق الله العظيم - في هذا المقال سنتحدث عن إحدى هذه المخلوقات وهي العنكبوت. من منّا لا يعلم ما هو العنكبوت؟ كلنا نعرفه ولكن! أنعلم عن شباكه؟ مِمَّ تتكون؟ والأهم: كيف يصنعها وكيف له أن لا يقع في شباكه الخاصة! أولًا، يجب أن نتفحّص معجزة هندسة نسيج العنكبوت فمن ناحية متانة الخيوط تعتبر الخصلات الحريرية التي تُكوّن النسيج أقوى من الفولاذ، ولا يفوقها قوة سوى الكوارتز المصهور، ويتمدّد الخيط إلى خمسة أضعاف طوله قبل أن ينقطع. في الواقع، فإن هذا الخيط الصغير الذي يظهر للعين المجردة مصنوع بالطريقة نفسها التي يصنع بها كابل الفحم؛ حيث يتكون من خيوط عدّة متناهية في الصغر ملتفة حول بعضها، وقد يبلغ سمك الخيط الواحد منها إلى ( 1 ) من المليون من الإنش. لكلّ عنكبوت مغازل خاصة، عادة يبلغ عددها ثلاثة. وهذه المغازل طبيعية موجودة أسفل البطن. ويوجد قرب كل مغزل فتحات غدة صغيرة تخرج منها المادة التي تكون الخيوط الحريرية، وأثناء هندسة النسيج يقوم العنكبوت بجمع الخيوط الثلاثة معًا لتكوين خصلة قوية ومتينة. تغزل العناكب التي تعيش خارج المنزل نوعاً من النسيج معروفاً باسم الفلك نسبة إلى شكله الدائري، وهو قطعة هندسية رائعة من الخطوط المتناسقة التي تظهر بشكل بهيّ جدًا تحت أشعة الفجر الأولى. وأنثى العنكبوت هي التي تقوم بمهمة بناء النسيج، وتستخدم ضغط بطنها، لتدفع الخيوط الحريرية خارج الغدد الست الموجودة في بطنها؛ حيث تقوم بربط طرف الخيط الأول، المعروف باسم الجسر بساق عشبة ما أو ورقة شجر، ثم تهبط الى الأرض مع الخصلة وهي مستمرة بعملية الحياكة، ثم تصعد إلى نقطة أخرى مرتفعة؛ لتسحب الخيط بقوة وتربطه في مكانه جيدًا باستخدام مادة لاصقة تخرج من إحدى غددها أيضًا، فتقوم أولًا بتثبيت خصلة بشكل أفقي دائمًا، ثم تسقط خيطين حريريّين في كل طرف من أطراف الخيط الأول وذلك لتكوين جسور أخرى أقل ارتفاعًا من الأولى والتي ستصبح أساس شبكة العمل. ثم تقوم بغزل خيوط عدة داخل شبكة العمل هذه، على أن تلتقي الخيوط جميعًا في الوسط، وهنا يأتي العمل الذكي، حيث تقوم بوضع المادة اللاصقة على الخيوط الخارجية من الشبكة فقط، وعندما تنتهي كليًا من صنع الشبكة تكمل عملية وضع الغراء في الداخل وعلى بعض المقاطع فقط بحيث تترك مكانًا لها لتتحرك عليه بسهولة. بعد إنجاز الشبكة، تقوم العنكبوتة بصنع عش صغير لها بالجوار، وعادة ما تقوم بلف ورقة شجر وتضع لنفسها بالداخل سريرًا مريحًا من الحرير، لأنها بالطبع قد تنتظر طويلًا قبل وصول ضحيتها الأولى. وأخيرًا تقوم بوصل خيط إنذار بين عشها والنسيج، كي تشعر بأي اهتزاز قد يحدث على النسيج نتيجة سقوط أي حشرة عليه. وعند حدوث هذا الاهتزاز تسرع الى وسط النسيج لتعرف الشيء الذي ستتعامل معه، وبسبب الضعف الحاد في الرؤية عندها ستعتمد العنكبوتة على حواسها الأخرى لتحديد صفات الفريسة، فإذا كانت ضخمة ومميتة تطلق سراحها من بعيد، أما إذا كانت كبيرة ولا تؤكل كاليعسوب مثلًا، فستلّفها بخيوط الحرير من بعيد أيضًا، باستخدام عضو متخصّص آخر، هو الغدّة عنقودية الشكل. تجهد الحشرة الفريسة نفسها بمحاولة التخلص من الشباك، بعد ذلك تبدأ العنكبوتة بالتقدم نحوها عبر الخيوط الآمنة التي تركتها لنفسها دون مادة لاصقة، وإذا صدف أن أخطأت مرة ووضعت أرجلها على المادة اللاصقة فإن جسمها سيفرز مادة كالزيت تعمل كمحلل كيميائي للغراء، يساعدها على التحرر من جديد. قد لا نحب العناكب، لكن بعد التفكير في قدرتها في القضاء على أنواع مختلفة من الحشرات الأخرى وحماية المحاصيل الزراعية منها فلن نقلل من شأنها بعد اليوم!