ننظر إلى مجموعة أشياء مرتّبة وفق نمط معين، لكن نرى في الوسط جزءاً يخالفه مما يجعلنا نشعر بعدم الارتياح بتاتاً إلى أن نقوم بإزالة هذا الجزء المخالف أو القيام بتعديله وإعادة ترتيبه وفق ذاك النمط! وأحياناً ندخل على محاضرة ما لنجد المحاضِر يمسح اللوح استعداداً لبدء الشرح، إلا أنه لم يمسح ذلك الجزء البسيط الكائن في الزاوية. كم أنزعج من وجود هذا الخط الرفيع وكم أتمنى زواله ليبقى اللوح ناصع البياض دون أي شائبة! عادات وحركات وأفكار تراودنا وتغزو تفكيرنا في أغلب الأوقات، لتجعلنا نقوم بأمور معينة نروي بها عطش شيء أقرب ما يكون إلى الهَوَس. إنه اضطراب الوسواس القهري، أو (OCD – Obsessive-Compulsive Disorder) والذي يعد شائعاً حيث يدفع المرء إلى القيام بأفعال معينة قد تؤثر سلباً على حياته. قد لا يكون هذا الاضطراب بالخطورة التي تتوقعها (إلا إذا كان في مراحل متقدمة منه)، وهو ينقسم في اسمه إلى قسمين أساسيين: -- وسواس أو هوس (Obsessive)، هي أفكار أو دوافع تواتي الشخص بشكل متكرر مما يخلق توتراً لديه؛ مثل الخوف الشديد من الجراثيم أو التلوث، التفكير بفعل أمور مؤذية للذات أو للآخرين (وإنْ كانت مجرد أفكار بعيدة كل البعد عن حاجز التنفيذ)، الرغبة بوضع الأشياء بترتيب معين ومتجانس طوال الوقت، والتفكير في أدق التفاصيل عند القيام بعمل معين. -- قهري (Compulsive)، وهي تصرفات متكررة يشعر المصاب بال OCD بضرورة القيام بها نتيجة الأفكار الوسواسية؛ مثل غسل اليدين بشكل مفرط، ترتيب الأشياء بطريقة معينة أو وفق نَسَق دقيق وعدم تقبل العشوائية بها، التحقق من الأشياء بشكل متكرر مثل التأكد من أن الباب مغلق أو التحقق من أن مِقبض الغاز محكم الإغلاق. لكن ليس كل تصرف متكرر يعني أنك مصاب بهذا المرض، فإن الجميع – على سبيل المثال - قد يتحققون من أن الغاز محكم الإغلاق من باب الأمان، لكن المصاب بهذا الاضطراب يمكن تمييزه عن غيره كونه لا يستطيع التحكم والحدّ من التصرفات في كثير من الأحيان، كما أنه يضيع ساعة واحدة على الأقل من يومه بالقيام بتصرفات معينة بشكل متكرر. إحدى التصرفات الشائعة أيضاً هي الحركات المفاجئة التي تحدث بسرعة خلال لحظات، مثل الترمّش بشكل مفاجئ ومتكرر، حركات العين المفاجئة في اتجاهات معينة، تحريك الكتف بشكل سريع أو حتى السعال البسيط المتكرر دون سبب. لكن أحياناً قد يكون تأثير الـ OCD على الشخص إيجابياً نوعاً ما بدلاً من أن يكون سلبياً كما ذكر في الأعلى، فإن الوقوف على أدق التفاصيل لأمور معينة والعمل على تصحيحها لجعلها في وضع مثالي قد يؤدي إلى جعل الأمر المقصود أقرب ما يكون إلى وضع مثالي وبالتالي تحسين المخرجات، أو على الأقل جعل هذا الشخص يرتاح نفسياً! حسبما يقول الأطباء والمختصون، فإن الأعراض قد تأتي وتذهب، وقد تقلّ أو تزداد مع الزمن، وإن تكرار هذه التصرفات من شأنها أن تؤثر سلباً على حياة الفرد، فمثلاً التفكير بإيذاء الناس وبشكل متكرر قد يشكل دافعاً فعلياً لجعل الفرد يقوم بذلك كي يرى ما نتيجة هذا الفعل! وإن الوقت الضائع في قيامه بهذه الأفعال حتماً سؤثر على إنتاجه! تلعب الوراثة دوراً هاماً في اكتساب هذا المرض، كما أن التنشئة الاجتماعية الخاطئة والقسوة قد تؤدي إلى الإصابة به نظراً لأنّ الإحباط والحزن وفقدان الشعور بالأمان تعتبر دوافع تجعل الفرد يقوم بعدّة تصرفات لا إرادية وبشكل متكرر مثل التأكد من أن الأبواب محكمة الإغلاق نتيجة التوتر والخوف. يقول المختصون أن العلاج يكون بفعل الأشياء التي يحبها الشخص ويستمتع بها، فخلال فترة معينة من القيام بذلك سيعتاد المخ ويدرك أن تفريغ الطاقة في الأشياء التي يحبها الانسان أفضل بكثير من تفريغها في أمور لا فائدة منها.