خيوط لامعة في سماء القطبين

تلك العروض الخلابة التي تظهر على الشاشة السماوية، والألوان المنسوجة بخيوط مضيئة تمتّع الأبصار وتفرح الوجدان، نَسْج ألوانٍ مع أصواتٍ يمكنُ سماعها أحياناً، ما هي إلا الشفق القطبي أو ما يعرف أيضاً بالفجر القطبي (Aurora)، وهي كلمة مأخوذة من اللغة الرومانية واللتي تعني (شروق الشمس). ما يعجز العقل عن تخيله كيف أن هذه الظاهرة لا تتكون إلا في الأقطاب المتجمدة، وبفعل أكثر النجوم حرارة، الشمس! وهنا تحديداً تعجز الألسن؛ فهذه الظاهرة ليست ظاهرةً عادية بل إبداعاً إلهياً وإعجازاً علمياً، فهي ظاهرة استحقت القَسَم الإلهيّ، فقد ذكر الله في كتابه: (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ) [الانشقاق: 16-19]. فكيف تنشأ هذه الظاهرة الكونية التي حيرت العلماء؟ سبب ظهور الشفق القطبي يبدأ من الشمس. فللشمس مجال مغناطيسي هو نتاج الإنفجارات الشمسية على سطحها، ومن هذه الإنفجارات تُرسل طاقة هائلة تحمل أيونات عالية الشحنة إلى الأرض، وتسمى هذه الطاقة بالرياح الشمسية، وهي طاقة ضارّة بالكائنات الحية. فعندما تصل هذه الرياح للأرض يقوم مجال الأرض المغناطيسي بمنع وحجب أيونات الشمس المغناطيسية من الدخول للأرض، تماماً مثل تنافر مغناطيسين (مغناطيس الأرض ومغناطيس الشمس). ولكنّ بعضاً من أيونات الشمس المغناطيسية تنجذب إلى الأرض، لأنه كما نعلم توجد طاقة مغناطيسية كبيرة موجودةٌ في القطبين الشمالي والجنوبي، فتدخل أيونات الشمس المغناطيسية إلى الأرض وتخرج منها في شكل حلقات، لأنها وفي هذه المنطقة تكون محصورة بواسطة مجال الأرض المغناطيسي. عند دخول أيونات الشمس المغناطيسية إلى الأرض، تتصادم ذرات الأيونات القادمة من الشمس بجزئيات وذرات طبقة الغلاف الجوي (Atmosphere)، لتنطلق طاقة تظهرعلى شكل الشفق القطبي ( - Auroraأورورا) في هيئة خيوط لامعة من الألوان في سماء القطبين (الشمالي والجنوبي)، وغالباً ترافقها أصواتاً يمكن سماعها. عملية تستقطب ساعات من التفكير لفهم مبدأها، ونتاجها أجمل ما رأت الأعين. ففي النهاية ليس بالوسع إلا القول سبحان المصور، فتتنافر الكلمات عن بعضها عند وصف عظيم إبداع الخالق، فإن في امتزاج هذه الألوان واللوحة السماوية التي تنسجها تركيبة خيالية من عمليات حيوية هي متعة للتفكّر وإعمال العقل، فما أجمله من منظر وما أبدعه من خالق!