تشيرنوبيل.. الكارثة

تشيرنوبيل.. قصة مدينة، مفاعل، كارثة، إخلاء وموت. لن نخوض في ربوع التاريخ لهذه المدينة بقدر ما سنخوض في ماضيها القريب منذ سبعينيات القرن الماضي حيث الكارثة المدمّرة التي حدثت في المفاعل النووي الذي احتوته المدينة. تقع مدينة تشيرنوبيل (Chernobyl) في أوكرانيا، وكانت تحتوي على عدد يقدّر بـ 14 ألف من السكّان قبيل حدوث الكارثة. في عام 1970 تم إنشاء مدينة بريبيات (Pripyat) كي تكون مسكناً للعاملين في محطة تشيرنوبيل النووية التي تم البدء بإنشائها في عام 1972 والانتهاء منها في عام 1977. احتوت هذه المحطة على أربعة مفاعلات نووية كل منها قادر على توليد ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية، وعلى ذلك فإن هذه المفاعلات الأربع كانت تولد 10% من إجمالي الطلب على الطاقة في أوكرانيا قبل حدوث الكارثة. كانت أولى الحوادث التي حدثت في هذه المحطة الغامضة في عام 1982، إذ حدث انصهار جزئي في المفاعل رقم 1. تم العمل على إصلاح هذا المفاعل خلال أشهر، لكن تم التكتّم على هذه الحادثة إلى أن خرجت تفاصيلها لتلامسها أشعة الشمس أول مرة في عام 1985. استمر عمل المحطة بشكل طبيعي بعد الحادثة الأولى، إلى أن وقعت الكارثة النووية الأكبر في التاريخ من ناحية الضحايا والخسائر المادية الناتجة عنها. في 26 من شهر ابريل عام 1986، وفي تمام الساعة 1:23 صباحاً، تم البدء باختبارات على التوربين البخاري الخاص بالمفاعل رقم 4. لكن حدث خلل حيث قل معدل تدفق الماء أثناء الاختبار، مما أدى لزيادة في تشكّل الفقاعات (والتي تتفتّح لتبعث كميات كبيرة من البخار) داخل قلب المفاعل بسبب الحرارة الكبيرة فيه. بسبب عدة عوامل؛ ازداد معدل تحول الماء إلى بخار بشكل خطير، مما عمل على زيادة في القدرة الناتجة إلى حد تعدّى القدرة القصوى بشكل هائل إذ كانت القراءة الأخيرة للقدرة 33 ألف ميغاواط حراري وهي أكبر بعشر مرات من القدرة الطبيعية! نتيجة ذلك استمر تشكل البخار وازدياد ضغطه، وبسبب وجود أخطاء في تصميم هذا المفاعل، فقد أدّى ذلك لمزيد من التفاعلات في القلب النووي وبالتالي حدوث انفجارات عملت على قذف الصفيحة ذات الألفَي طنّ التي كانت تغطي قلب المفاعل النووي، نتج عن هذه الانفجارات تضرر قضبان الوقود الموجودة في المفاعل، بالإضافة إلى انتشار الإشعاعات إلى الجو بكميات خطيرة جداً والعمل على منع تدفق المبرّد إلى المفاعل. بعد بضعة ثوانٍ، حدث انفجار آخر أكثر هولاً من سابقيه حيث قام بتفجير المفاعل بشكل تام وعمل على انبعاث الجرافيت المحترق وأجزاء أخرى من قلب المفاعل إلى المناطق المحيطة به، وبالتالي إحداث حرائق شديدة القوة في تلك المناطق. تسلسل الأحداث المذكور ناتج عن دراسات ومعادلات رياضية بحتة، إذ لم يستطع أحد من تحديد الأحداث بشكل دقيق. "تشيرنوبيلايت – Chernobylite" هي إحدى نواتج هذه الكارثة، وقد عرفت أيضاً باسم "قدم الفيل – Elephant’s Foot"؛ وهي كتلة تشكّلت من مزيج وقود نووي مع كميات هائلة من الخرسانة ومواد عديدة منصهرة من قلب المفاعل. كان لهذه الكتلة أثراً إشعاعياً كبيراً إذ إن التعرض لها لمدة 30 ثانية يؤدي إلى الإجهاد وفقدان التوازن خلال أسبوع، والتعرض لها لمدة دقيقتين فإن خلايا الجسم ستبدأ بالنزيف، أما التعرض لأربع دقائق فإنه يؤدي إلى الإستفراغ والإسهال والمرض الشديد، لكن التعرض لمدة 300 ثانية فهو كافٍ ليتبقى لديك يومين فقط قبل الموت! ومع أن إشعاعية قدم الفيل قلّت لتصبح أقل من عُشر ما كانت تشعه في بدايتها، إلا أن التعرض لها لفترة قصيرة جداً يكفي لإحداث أضرار جسيمة للشخص. من أجل حصر الأضرار الناتجة عن المفاعل رقم 4 قدر الإمكان، بقد تم بناء شيء أشبه بالتابوت الحجري حوله من أجل احتجاز الإشعاعات بداخله وعدم إشعاعها وانتشارها إلى الغلاف الجوي. أدّت هذه الكارثة إلى وقوع عدد كبير من الضحايا على المدى البعيد، فقد أدت الإشعاعات التي انتشرت إلى جعل أعداد هائلة من سكان المناطق المحيطة بالشعور بأمراض شديدة والتعرض لأنواع عديدة من السرطانات نتيجة ذلك، ويقدر عدد الضحايا الكلي إلى يومنا هذا ب 985 ألف ضحية أغلبها من السرطانات! إضافة إلى إحداث تشوهات في المواليد سواء من البشر أو الحيوانات. عدا عن ذلك، فقد انبعثت كميات تكاد لا تصدق من الإشعاعات ليس فقط على مستوى المدن، بل على مستوى الدول المجاورة لأوكرانيا أيضاً! بالإضافة إلى ذلك فإن الخسائر المادية التي حدثت لم يسبق لها مثيل إلى يومنا هذا. الآن تعد مدينة تشيرنوبيل أقرب ما تكون إلى مدينة أشباح نظراً لكمية الإشعاعات الموجودة فيها، ويصل عدد سكانها حالياً إلى 704 ساكناً فقط حيث يسكنون في بيوت عليها لافتات مكتوب عليها "صاحب هذا البيت يعيش هنا". لم تنتهِ الحوادث في هذه المحطة هنا، ففي عام 1991 حدث حريق في المفاعل رقم 2، وآخر هذه الحوادث كان في عام 2013 حيث انهار سقف بمساحة 600 متر مربع داخل المفاعل رقم 4. لكن تبقى كارثة المفاعل رقم 4 في عام 1986 الحادثة النووية الأفظع في التاريخ حتى يومنا هذا. المصادر: http://rarehistoricalphotos.com/the-elephant-foot-of-the-chernobyl-disaster-1986/ http://www.nytimes.com/1991/10/12/world/fire-reported-in-generator-area-at-the-chernobyl-nuclear-plant.html http://www.globalresearch.ca/new-book-concludes-chernobyl-death-toll-985-000-mostly-from-cancer/20908 http://chernobylgallery.com/chernobyl-disaster/timeline/