تقنية النانو

كان التطور التكنولوجي هو السمة الفريدة في القرن العشرين، وقد أجمع الخبراء على أن أهم تطور تكنولوجي في النصف الأخير من القرن الماضي هو اختراع الإلكترونيات؛ فقد أدى تطورها إلى ظهور ما يسمى بشرائح المايكرو والتي بدورها أدت الى ثورة علمية وتقنية في جميع المجالات. وحتى الخمسينات من القرن الماضي، لم يكن هناك غير التلفاز الأبيض والأسود، ولم توجد الا عشرة حواسيب في العالم تقريباً، ولم تكن هناك هواتف نقالة أو ساعات رقمية أو الإنترنت. ومع التقدم التكنولوجي وانتشار هذه الاختراعات وازدياد الطلب عليها، أدى ذلك إلى انخفاض أسعارها بشكل كبير مما سهل دخولها في صناعة جميع الالكترونيات الاستهلاكية التي تحيط بنا اليوم. وخلال السنوات القليلة الماضية، برز إلى الأضواء مصطلح جديد ألقى بثقله على العالم وأصبح محط الاهتمام بشكل كبير؛ هذا المصطلح هو تقنية النانو، أو كما تسمى "تكنولوجيا النانو". ماهي تقنية النانو؟! ظهرت مفاهيم مختلفة لتعريف تقنية النانو، فهناك من يصفها بأنها التقنية القادرة على تحقيق درجات عالية من الدقة في وظائف وأحجام وأشكال المواد ومكوناتها، والذي بدوره يساعد على التحكم في وظائف الأدوات المستعملة في ميادين الطب والصناعة والهندسة والزراعة والعقاقير والاتصالات والدفاع والفضاء وغيرها... وآخر يعرفها بأنها علم التعامل مع الأشياء الصغيرة جداً جداً، ومصطلح "تقنية النانو" بالأصل مشتق من اللغة اليونانية وتعني عالم الأقزام الخرافي المتناهي في الصغر، والتقنيات الي تصنع على مقاييس النانومتر، وهي أصغر وأدق وحدة قياس مترية وتعادل واحد من المليار من المتر، والنانومتر يعادل عشرة أضعاف وحدة القياس الذرّي المعروفة (الأنجستروم). وحجم النانو أصغر بحوالي 80.000 مرة من قطر شعرة الرأس. إذاً ببساطة هذة التقنية ستمكننا من صنع أي شيء تتخيله! فعلى سبيل المثال، لنتخيل إنتاج حواسيب بالغة الدقة يمكن وضعها على رأس قلم او أسطولاً من الروبوتات النانومترية الطبية التي يمكن حقنها في الدم أو ابتلاعها لتعالج الجلطات الدموية والأورام السرطانية والأمراض الأخرى المستعصية، حيث ينتظر من هذة التقنية الواعدة أن تقوم بقفزة إلى تاريخ البشرية. وفيما يتعلق بتحضير المواد النانو مترية، خلافاً لما يحدث عن تحضير وتصنيع المواد المحسوسة (الحجمية )، فإن الخواطر الفيزيائية والكيميائية للمادة الخام المستخدمة في تحضير النانوية تلعب دورأ هاماً للغاية. فقد اكتشف العلماء أن بعض المركبات عندما تصنع بأحجام نانومترية فإنها تكتسب خواص فريدة لا تتوافر لها عندما تكون في الحجم المحسوس. فعلى الرغم من تطابق التكوين الكيميائي في الحالتين إلا أن المادة النانومترية المتناهية في الصغر تكتسب صفات وخواص كهربية وضوئية ومغناطيسية استثنائية نتيجة للترتيب الجديد الذي تأخذه الذرات. فالبورسلين مثلاً، يعتبر مادة مهمة لكنها هشة؛ وسبب هشاشتها أن الفراغ بين جزيئاتها (المكون من الرمل) كبير نسبياً مما يقلل من تماسكها فيمكن أخذ البورسلين الموجود في الصحون المكسورة مثلاً وتفكيكه إلى مكوناته الذرية الأصغر ثم إعادة ترتيب هذة المكونات فنحصل على بورسلين أقوى من الحديد يمكن استعماله في البناء أو في صناعة سيارات خفيفة الوزن لا تحتاج إلى كثير من الوقود. كما يمكننا صناعة التيتانيوم (المعدن الأشد صلابة على الأرض التي تصنع منه مركبات الفضاء) من أي خردة معدنية. ويمكن صناعة ملابس عادية واقية من الرصاص من النفايات والمخلفات. وغيرها من التطبيقات التي تعد بمثابة انقلاب جذري في نظام التبادل الإقتصادي العالمي. وهناك طرق عديدة لتصنيع المواد النانوية ثم تقسيمها إلى قسمين رئيسيين، أحدهما من أعلى الى أدنى حيث يتم تكسير المادة الأصلية (الكبيرة) شيئاً فشيئاً حتى الوصول إلى الحجم النانوني. وتستخدم عدة طرق لذلك منها الحفر الضوئي، القطع، الكحت، والطحن. واستخدمت هذه التقنيات للحصول على مركبات الكترونية مجهرية كشرائح الحاسوب. أما الطريقة الثانية فهي تبدأ من أسفل لأعلى، بعكس الطريقة الاولى، حيث يتم بناء المادة النانوية انطلاقاً من ذرات وجزيئات يتم ترتيبها حتى نصل الى الشكل والحجم النانوي المطلوب وهذه الطريقة غالباً ما تكون طريقة كيميائية، تتميز بصغر حجم المواد الناتجة والحصول على روابط قوية للمادة النانوية الناتجة. وفي النهاية، لقد بدأت هذة الثورة العلمية الجديدة (تقنية النانو )، وانطلقت معها بعض الدول وأنشأت المعاهد والمراكز المتخصصة في هذا المجال. ومن الخطأ فعل ما يفعله كثيرون بالإبتعاد وعدم الإقتراب من هذه التقنية خوفاً من عدم فهمها أو لصعوبة استيعابها على الرغم من بساطتها. وشئنا أم أبينا، فهذه التقنية قادمة، وتطبيقاتها ستكون هي محور حياتنا اليومية في المستقبل القريب.